اسأل نفسك: هل أعاني إدمان العمل؟ 😵💫
اسأل نفسك: هل أعاني إدمان العمل؟
في إجازة عيد الأضحى كنت مرتبطة بأعمال أخرى لإنجازها: تصوير وكتابة وتسليم. جدول الأعمال لم يفرغ حتى في تلك الأيام، ولم أجد في ذلك أي مشكلة. بعد العودة للعمل ورد إلينا من أصدقاء النشرة طلب للكتابة عن إدمان العمل والاكتئاب المصاحب للفراغ، وبدا لي أنه لا يوجد شخص أقدر على حياكة الكلمات وتصوير الفكرة الكامنة في أذهان مدمني العمل من الذين يقفون على أعتاب هذا الداء.
قبل أن تشعر بقسوة استخدام مصطلح «الداء» لوصف حالة مدمني العمل، دعني أخبرك بأن إدمان العمل والاجتهاد في العمل لا يصُبّان في المجرى نفسه؛ فالموضوعان مختلفان تمامًا.
وِفقًا لمقالة نشرتها باربرا كيلنقر بعنوان: «فهم ديناميكيات الإدمان على العمل» (Understanding the Dynamics of Workaholism)، فإن المجتهد في عمله هو الشخص القادر على المحافظة على توازن صحي بين العمل والحياة الشخصية، فهو يقدّم كل ما يتطلّبه العمل من مهمات ويتمّها في مواعيدها ويطوّر من مهاراته، وفي الوقت نفسه يتواجد عاطفيًا مع الأسرة والأصدقاء والزملاء.
أما تعريفها مدمن العمل، لكونها رائدة في هذا المجال منذ حوالي عشرين عامًا، فهو: الشخص المهووس بعمله وتحصيله العلمي أو العملي، ويصبح تدريجيًا غير قادر على التعامل مع مشاعره، مدمنًا على القوة والسيطرة، مدفوعًا برغبة قهرية في الحصول على الموافقة والتقدير العام لتحقيق النجاح.
قد تسهم بعض بيئات العمل في خلق هذا الداء لدى العاملين من أجل الاستفادة القصوى من التزامهم وتفانيهم في العمل. وفي ثقافة يُنظَر فيها إلى العمل الجاد كوسيلة وحيدة للنجاح يصبح من الصعب على الموظفين الابتعاد عن مكاتبهم. يحفز هذا الاعتقاد الدائم بأن الإنتاجية والمثابرة هي ما يُعزّز التقدير والاعتراف من الإدارة والزملاء. في إحصائية أجريت عام 2014، وُجِد أن 28% من الناس لم يأخذوا إجازات مدة عام كامل فقط لإظهار التفاني في وظائفهم ولعدم عدّهم كسالى.
في أيام العمل الرسمية قد لا تبدو هذه مشكلة. لكن في أوقات الإجازات والعطلات حتى في فترة «متلازمة ما بعد التقاعد»، كما أحب أن اسميها، تظهر الآثار السلبية للتعلق المرضي بالعمل، وتتجلّى أعراض رهاب الفراغ بصورة مزعجة.
يقول الدكتور جيمس هوارد، أستاذ علم النفس في جامعة كولومبيا: مدمنو العمل يشعرون بأنهم يفقدون جزءًا من هويتهم عند الابتعاد عن العمل، وهذا يصعب عليهم الاستمتاع بالعطلات. فهم بطبيعتهم يعرِّفون أنفسهم أساسًا من خلال إنجازاتهم في مكان العمل. ومِن ثم فإن الامتناع عن العمل قد يجعلهم يشعرون بالفراغ وعدم الجدارة.
كما أن القلق المستمر بشأن الأعمال غير المنجزة هو عنصر آخر يفسد أجواء العطلات عليهم؛ فبينما يتطلع البعض بشغف إلى الهرب من ضغوط العمل، يظل مدمنو العمل عالقين في دوامة لا تنتهي من القلق حول المهمات المتراكمة والمشاريع غير المكتملة.
في مقالة عنوانها: «اختلاف نظرتنا إلى أوقات الفراغ قد تجعلنا أقل سعادة» (The way we view free time is making us less happy)، ذُكر أنه قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في رؤية قيمة أوقات الفراغ. إذ يركز على الإنتاجية الأفراد الذين يعملون غالبًا في وظائف عالية الضغط وعالية الأجر وتحتاج منهم الالتزام بساعات أطول في العمل ذهنيًا، إلى درجة أنهم لا يستطيعون الاستمتاع بالإجازات وأوقات الفراغ المريحة، وغالبًا يكون ذلك على حساب صحتهم العقلية.
ولأن نصف العلاج يبدأ بالوعي بالإصابة فمن الجيد أن تُقوِّم مدى تعلّقك بعملك بعد قراءة هذه التدوينة، وهل شعرت يومًا أنك تسابق الوقت والمكان من أجل الهرب من أوقات فارغة تجلس فيها دون أي تفكير مباشر بالأعمال؟ وهل تملك مهارات الموازنة بين إظهار تفانيك بالعمل دون الوصول إلى إفساد متعتك بأوقات الفراغ؟
أنا في نهاية الأمر، منعت نفسي من المضي في كتابة هذه التدوينة خارج ساعات العمل، ورغم ذلك لم أتأخر في تسليمها عن موعدها النهائي؛ حتّى أُثبت لنفسي وللقارئ أن لِجام السيطرة والالتزام في العمل ليس يعني بالضرورة فقدانك ساعات الفراغ التي تخصّك.
برنامج «ثمانية أسئلة». نقابل فيه أصحاب المهن المختلفة والتجارب الاستثنائية، ونوجه لهم 8 أسئلة قد تخطر في بالك.