لماذا لا أدفع إكرامية في تطبيق التوصيل؟ 🪙
لماذا لا أدفع إكرامية في تطبيق التوصيل؟
ترتبط زيارة والدي إلى دولة عربية بحادثة مضحكة لا تزال عالقة في ذاكرته، حيث ذهب مع والدتي إلى مطعم بالقرب من أشهر معالم تلك البلد، وفور دخوله كان أحد العاملين في المطعم يستميله بالحديث والبقاء بجانبه مطولًا آملًا الحصول على البقشيش، مما جعل والدي يشعر بشيءٍ من الانزعاج.
فقرر والدي سريعًا أن يسحب ورقة من جيبه ويقدمها له ليبتعد عن طاولتهما ويتمكن مع والدتي من الاستمتاع بالوجبة. بعد انتهائهما من تناول الطعام ووصول الفاتورة فوجئ والدي بوجود ورقة الفئة الصغيرة من المال الذي كان في جيبه، واختفاء ورقة الفئة الكبيرة منه!
حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد حصل العامل على الفئة النقدية الأعلى، ولم يقبل إعادتها لأنها أصبحت حقًا له!
تجربة والدي هي ما يجعل موضوع البقشيش صعب التقبل لديّ. فالنظرة المجتمعية المرتبطة بتلك الممارسة تفرض ضغوطًا عالية على المستهلكين في الأماكن العامة: الأعين تتطاول على من لم يقدِّم البقشيش، ونظرات الازدراء من مقدِّم الخدمة قد تعكر صفو مزاجك، ورُبما يلاحقك بعضهم حتى تدفع له للتخلّص من الوضع غير المريح الذي وضَعك فيه. وما يحدث اليوم أنَّ ثقافة البقشيش بدأت تهيمن أيضًا على تطبيقات التوصيل.
ففي الأيام الماضية تداول رواد «إكس» منشورًا مثيرًا للجدل في السعودية، حيث نشر أحد المؤثرين محادثته مع أحد مندوبي التوصيل في أحد تطبيقات التوصيل المحليَّة. ادَّعى مندوب التوصيل أن مبلغ البقشيش الذي أصبح خيارًا مطروحًا في التطبيق لا يعود إليه بالكامل، بل يحصل منه على نسبة تقل عن النصف!
أثار هذا المنشور الجدل بين الناس على هذه السياسة المجحفة للمستهلك ومقدِّم الخدمة! تبِع ذلك رد الرئيس التنفيذي للشركة بمنشور علني استهلَّ فيه الرد بتأكيده أن ذلك غير صحيح، وأنه سيوضح ما يحدث حقيقة في البقشيش، وأنهى المنشور القصير بكلمة «يتبع». (حتى لحظة كتابة التدوينة لم يشارك الرئيس التنفيذي منشورًا جديدًا حول الموضوع.)
جدل البقشيش في التطبيقات المحلية امتدادٌ للجدل في التطبيقات العالمية؛ ففي نوفمبر نشرت صحيفة نيويورك تايمز خبرًا عن تطبيق «دور داش» (DoorDash) الأمريكي لتوصيل الطعام. إذ عمد التطبيق إلى إضافة صفحة تظهر لدى العميل قبل إتمام الطلب مع رسالة تحذيرية تقول: «إن لم تدفع إكرامية للمندوب من خلال التطبيق ستضطر إلى الانتظار وقتًا أطول لوصول طلبك.»
وبالطبع أغضبت الرسالة مستخدمي التطبيق، فهذه السياسة لا تُنصِف المستهلك الذي دفع رسوم الخدمة كاملةً، لكي تهدده الشركة الآن بالتهاون و«وصول وجبته باردة» إذا لم يدفع «البقشيش» الاختياري.
بصفتي مستخدمة لتطبيقات التوصيل، لم أدفع أي بقشيش للمندوب، خصوصًا أن أسعار التوصيل من الأساس مرتفعة! ومع تصاعد الجدل الحاصل حول المنشور ازداد ارتيابي وحرصي على التمنع من إعطاء البقشيش.
فظاهرة البقشيش ظاهرة تتسم بالتناقض، وقد تترك تأثيرها السلبي في العامل والمستهلك في آن واحد. فمن جهة العامل، يمكن للاعتماد على البقشيش أن يضر به من خلال تشويه نظام الأجر الثابت وتقليل المسؤولية المالية على أصحاب التطبيق في تأمين الأجر المناسب الكافي. فكلما ازداد الاعتماد على البقشيش، أُتيحت الفرصة للشركات المالكة زيادة ربحيَّتها على حساب تخفيض أجور مندوبي التوصيل.
لهذا فإن تركيزنا في جدل «البقشيش» يجب ألا يكون على خيار الدفع من عدمه، بل في أهمية تحقيق توازن عادل في علاقة العمل بين المندوب والشركة لضمان استدامة رفاهية العمال والمستهلكين. فلا يُجبَر العامل على استدرار البقشيش من المستهلك كتعويض عن راتبه، ولا يُجبَر المستهلك على دفع «إكرامية» خيارية لكي ينال الخدمة التي دفع مسبقًا مقابلها.
هل ترغب بإكمال القراءة؟
نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj